كيف تجد الخبرات المميزة لشركتك بعيداً عن السيرة الذاتية؟

معظم المديرين يعتقدون أنهم أعلى من المتوسط في الحكم على المواهب

دينيس كاري ومات سميث – هارفارد بزنس ريفيو:

عند انطلاق”درافت الدوري الوطني لكرة القدم الأمريكية”، وهو الفترة

التي يسمح فيها لفرق الدوري بالبحث عن عدد من اللاعبين “اللائقين” الجدد للانضمام إليها.

وتعتمد فرق كرة القدم في بحثها عن المرشحين على مراجعة بيانات مستوى أدائهم فقط، ولا تلتفت إلى ترتيبهم في الكليات التي لعبوا فيها، أو إلى مهاراتهم التي يتحدثون عنها، بل تنظر فقط إلى البيانات الصرفة لأدائهم في التدريبات التي أتموها حديثاً في معسكر اكتشاف اللاعبين للدوري الوطني لكرة القدم الأمريكية.

فبناءً على تحليل بيانات أكثر من 300 لاعب شارك في معسكر التدريب سينتقل لاعبان فقط من أفضل عشرة لاعبين إلى المدارس المصنفة على المستوى الوطني. وأتى أفضل لاعب حسب اختبارات معسكر التدريب هذا العام من جامعة هارفارد بالرغم من أنها لا تشتهر كثيراً ببرامجها لتدريب فرق كرة القدم مقارنةً مع سمعتها التي يعرفها القاصي والداني في مجال تخريج قادة قطاع الأعمال.

يُمثل هذا النموذج في اختيار اللاعبين نقيضاً للنموذج الذي تعتمد عليه معظم الشركات في توظيف المواهب الجديدة. إذ تبدأ رحلتها في البحث وتصيّد الكفاءات من مخازن المواهب التي تأتي إليها جميع الشركات المنافسة، ثم تعمل على اختيار المرشحين معتمدةً على معياري التخرج من كليات النخبة والدرجات العلمية المرتفعة كدليل لها على النوعية.

وهكذا يتم اختيار المرشحين المحتملين بناءً على ما تقوله السير الذاتية، إلا أن هذه الأخيرة نادراً ما تقدم تقييماً كاملاً ودقيقاً لمهارات الفرد، أو تكشف عن مؤشرات ملاءمة المرشحين للوظائف الشاغرة. وتعمل الشركات في المرحلة الأخيرة من أسلوب التوظيف التقليدي على تقييم المرشحين عبر مقابلات ذات بنية فضفاضة، لا يوجد فيها ضابط معياري للأداء، وتنتشر فيها حالات التحيز الضمني أو الصريح. وعبّر عن كل ذلك أحد كبار المسؤولين التنفيذيين بقوله “إن كنت تريد حقاً معرفة كم يتمتع شخص معيّن بالطرافة وروح النكتة، لا تسأله عن ذلك، بل اطلب منه أن يروي لك نكتة.”

أدركت المنظمات التي يعتمد نجاحها كاملاً على نوعية المواهب لديها، مثل الفرق الرياضية، أو الموسيقية، أو الكوميدية منذ وقت مبكر أن الأدوات التقليدية لاختيار الموهوبين للانضمام إليها ليست كافية لمساعدتها في مواجهة التحديات التي تصادفها.

ولهذا فهي تعتمد على أسلوب الاختبارات في الاختيار. فمثلاً لا يُمنح الطيارون رخصة العمل قبل النجاح في اختبار محاكاة الطيران، ويخضع عازفو الكمان لاختبار في العزف قبل انضمامهم إلى فرقة موسيقية من الطراز العالمي، ويطلب من الكوميديين البرهان على قدرتهم على إضحاك الناس قبل أن يصبحوا أعضاء في برنامج “ساتردي نايت لايف” الأميركي الشهير، فلماذا لا يتبع اختيار كبار المسؤولين التنفيذيين والعاملين في الشركات الأسلوب ذاته؟

على الرغم من أن مفهوم “اختبارات الشركات” ما زال غض العود، فإن الأدوات المتاحة أمام الشركات للبحث في قاعدة واسعة من المواهب ثم قياس المهارات المطلوبة مباشرة، أصبحت متاحة اليوم بغزارة ملفتة. وصار هذا الاتجاه فرصة لكل نوع من الأعمال يعتمد في نجاحه على الأفراد؛ أي عملياً جميع الشركات، لتحسين قدرته كثيراً على جذب وتوظيف المواهب المميزة من مصادر غير تقليدية.

ونرى ثلاثة اتجاهات ناشئة للطريقة التي تستخدم فيها الشركات الرائدة مفهوم الاختبارات المؤسسية لتعزيز مجموعة المواهب التي تصل إليها:

المحاكاة

طُلب من أحدنا عدة مرات الحكم على قدرة الرئيس التنفيذي المحتمل على تحقيق الأداء بناء على محاكاة لنوع التحديات التي يُتوقع أن تواجهه. ومن أولئك التنفيذيين الذين خضعوا لتلك المحاكاة آلان مولالي، الرئيس التنفيذي الحالي لشركة فورد، الذي كانت نتائج اختباره من أفضل ما شاهدناه حتى اليوم، وتتنبأ بدرجة عالية بنجاحاته في شركة بوينغ وكرئيس تنفيذي لشركة فورد. وفي شركة هيومانا، للتأمين الصحي، اعتمد كورن فيري على محاكاة للحالة قبل التوصية بتعيين بروس بروسارد في منصب الرئيس التنفيذي. أما مايك ماككاليستر، المدير العام السابق للشركة فقال لنا: “أراد مجلس الإدارة وأنا، عند اختيار خليفة للرئيس التنفيذي أن نرى كيف يتصرف المرشح في مواجهة التحديات المختلفة، وقدمت لنا محاكاة الحالة بيانات يُعتمد عليها بدرجة أعلى من المقابلات وحدها.” وفعلاً كان أداء بروسارد الناجح في منصب الرئيس التنفيذي قريب جداً من التوقعات.

وتمثل هذه خطوة كبيرة متقدمة في تقييم المرشحين تتفوق على أسلوب المقابلات والاعتماد على السير الذاتية، فالأخيرة على الرغم من أهميتها، تخفق في التنبؤ بسلوك المرشحين تحت ظروف العمل الفعلية. ولا بد أن يكون لدى الشركات استراتيجية واضحة ومعرفة بأنواع التحديات التي ستواجه قادتها على الأغلب، كي تستطيع بناء محاكاة صحيحة وواقعية.

على المستوى الابتدائي عمل عدد من الشركات الناشئة مثل “بايمتركس” على تصميم محاكاة تفاعلية قصيرة بهدف التقييم المباشر لبعض الصفات لدى الموظفين، ويكافئ هذا معرفة بيانات القفزة العمودية للرياضيين. وتعتقد تلك الشركات أن أدوات المحاكاة تلك تسمح لها بالتعرف إلى درجة أعمق على المهارات التي يتحدث عنها المرشحون الواعدون في مقابلات التوظيف.

المسابقات

تعتمد الشركات التي توظّف مواهباً تقنية مثل المبرمجين اعتماداً متزايداً على طرح المسابقات أو التحديات للجمهور لاكتشاف المواهب بالاعتماد على منصات معينة مثل كاجل (Kaggle). ويتمتع هذا الأسلوب بميزة مزدوجة تتمثل في الوصول إلى الآلاف، إن لم يكن الملايين، من المرشحين، بالإضافة إلى التقييم الموضوعي للنتائج. ويتوسع هذا الأسلوب حالياً في المجالات غير التقنية، فمثلاً أطلقت شركة نعرفها مسابقة لحل مشكلة معينة تهدف من خلالها اكتشاف المواهب في الهند. وكان الفائز شاب عمره 14 سنة من بيون، في الهند، وهو فرد كانت فرصته معدومة في الوصول إلى الوظيفة لو أن الشركة استخدمت نماذج التوظيف التقليدية في البحث عن المرشحين. وعبر مزيد من النضج لمفهوم المسابقات في عملية اختيار الموظفين لعالم الأعمال، فإننا نتوقع حدوث ما يسمى ديمقراطية المواهب، حيث تنخفض أهمية تخرج المرشح من الجامعة مقابل إثباته لما يستطيع فعله.

التحليلات

بعد أن نُشر كتاب “مونيبول” (Moneyball) منذ ما ينوف عن عشرة أعوام، بدأت “ثورة التحليلات” تجتاح عالم الرياضة، وحقّقت الفرق الرياضية قفزات مثيرة في قدرتها على التنبؤ باللاعبين الذين يتوقع تقديمهم أداء أعلى في أدوارهم. أما في عالم الأعمال فنجد أن شركات جوجل، وماكينزي، وكورن فيري وغيرها تنفق كثيراً على تطوير تحليل مقاييس الأداء من خلال خوارزميات التنبؤ بالمواهب، فتضيف نوعاً من العلم إلى فن تقييم الموهبة الملائمة أثناء عملية التوظيف. وهذه القدرة مهمة، فمن المرجح أن تسبب الاختبارات أو المحاكاة التي تقيس السمات الخاطئة بالضرر أكثر من أن تقدم النفع.

قد تجد الشركات التي اعتادت على عمليات التوظيف القديمة أن الانتقال إلى عالم المحاكاة، والمسابقات، وخوارزميات المواهب عملية شاقة، تماماً كما كافحت الفرق الرياضية لتتطور من نموذج معسكرات التدريب واختبارات المشاهدة المباشرة إلى التحليلات والنموذج المرتكز إلى البيانات. لكن الشركات التي تفشل في التحرك في هذا الاتجاه ستجد ذاتها بمرور الوقت ضعيفة أمام الشركات المنافسة في خضم الصراع على المواهب، وستتعرّض مكانتها التنافسية للخطر ويزيد احتمال اختيار فرق القيادة غير المناسبة، ما يؤدي إلى تراجع قيمتها للمساهمين.

لكن، كيف تبدأ الشركات بعملية تحويل أساليب التوظيف لديها؟ عليها أولاً، معرفة بأنه لا حاجة لتغيير كل شيء بين عشيةٍ وضحاها: فعلى الشركات أن تضع استراتيجية لاستقطاب المواهب تعطي الأولوية للاختبارات والتحليلات الأكثر ملاءمة وأعظم قيمة لأعمالها. ثانياً، عليها أن تدرك أيضاً أن أمامها عمل شاق ينبغي إنجازه لكسر الأساليب التقليدية، فكما يقيم معظم الناس أنفسهم فوق المتوسط، فإن معظم المديرين يعتقدون أنهم أعلى من المتوسط في الحكم على المواهب، ولا يثقون مبدئياً بخوارزمية أو مسابقة لتحديد أفضل المرشحين للوظائف. ثالثاً، على الشركات أن تكون منفتحة لإقامة الشراكات، فمعظمها بحاجة لشكل من أشكال الدعم الخارجي من الجهات المتخصصة بتحليلات وتقييم المواهب، على الأقل في البداية، لمساعدتها على بناء تلك القدرة، حتى إن كانت تنوي الانتقال إلى القدرات الذاتية للتقييم في المستقبل.

ورغم من أننا نعتقد بأن وسائل تقييم المواهب المؤسسية التقليدية ما زالت صالحة، وخصوصاً من النواحي الشخصية والقبول النفسي ضمن فريق العمل، فالمؤكد أننا يجب ألا نعتمد عليها حصرياً في المستقبل. فالاختبارات في الشركات في طريقها لتصبح السلاح السائد لكسب حرب المواهب.

اقرأ أيضاً:

كيف تجيب عن أسئلة مقابلة العمل للمناصب الإدارية؟

تزيين مكتبك يزيد من إنتاجيتك!

59% من طالبي الوظائف في الإمارات تنقصهم المواهب

Top