لا أحد يطالب بخفض إنتاج البترول (لكن لا ضرر ولا ضرار)
هذه الفكرة التي تطالب بزيادة انتاج البترول حتى لا يسعى العالم الى تطوير البدائل ويستغني عن البترول فكرة قاصرة لأنها تتصور أن المفكرين (أو الخبراء المستشارين لدى متخذي القرار) في العالم مغفلون ولا يعرفون أن البترول مصدر ناضب وأن زيادة انتاج البترول تؤدي الى اقتراب ساعة نضوب البترول وهذا يحرّضهم على التوصية بالاسراع في تبني سياسات ايجاد البدايل.
الذي يرعب العقلاء والمفكرين والمخطّطين الاستراتيجيين - في شتى أنحاء العالم - ليس ارتفاع أسعار البترول بقدر ما يرعبهم أن يعجز العرض (لأسباب جيولوجية فوق ارادة الانسان) عن تلبية الطلب المتزايد على البترول. ولذا يطالبون بايجاد بدايل للبترول - قبل حدوث الطّامّة - و لن يتخلوا عن المطالبة بتطوير البدايل حتى لو وزعت اوبك بترولها بالمجان.
من ناحية ثانية - خبّروني بربكم - كيف نخشى ان يأتي يوم لن يجد ابناؤنا من يشتري منهم البترول اذا نحن استنزفناه الآن ولم نترك لهم بترولا تحت الأرض يبيعونه في المستقبل (أليس هذا أعجب العجايب). انها حكاية - وربّي - أشبه بحكاية الزوجة الطماعة التي أصرّت على زوجها النيّاتي (بلاش نقول مغفل) أن يذبح الدجاجة الوحيدة التي تبيض لهما ذهبا حتى تحصل هي على كل الذهب (أو الكنز) الموجود في بطن الدجاجة دفعة واحدة بحجة أن اليابان ستخترع ريبوتا (أي دجاجة بديلة) تبيض بيضا من الذهب فيستغني العالم عن شراء بيض دجاجتهما ولايجد ابناؤهما من يشتري منهم البيض.
الخوف على البترول ليس من استغناء العالم عن البترول ولكن الخوف من جهل - وجشع - الجيل الحالي في اشباع نزواته بتبديد نصيب الأجيال القادمة واختراع المبرّرات التي تبيح له الاستيلاء على نصيبهم من ثروة ناضبة. أليس منتهى التناقض أن يقول البعض بحسن نية بالنص "أن الاحتفاظ بالنفط للأجيال القادمة يتطلب الحفاظ على الطلب عليه" في الوقت الذي ينادي بزيادة الانتاج لمجرد الحيلولة دون ارتفاع الأسعار فما فائدة بقاء الطلب على البترول اذا جفّت الآبار ولم نترك لأبنائنا شيئا يبيعونه.
البترول هو معجزة العصر الحديث. فهو بالنسبة للمستهلكين بمثابة الروح لحضارتهم، وبالنسبة للمنتجين بمثابة رغيف العيش الذي يعيشون عليه. فكلاهما - سواء من المستهلكين أو المنتجين - لايستطيعون الاستغناء عن البترول. ولكن المشكلة أن البترول مورد ناضب فكل برميل يخرج من تحت الأرض سيفقده العالم الى الأبد ولا يمكن رجوعه اليها. ولذا فان ترشيد استخدام البترول والمحافظة عليه وتطوير البدائل تدريجيا في صالحهما معا ويتطلب التعاون بينهما ومساعدة كل منهما الآخر.
جميع المنتجين الكبار (على رأسهم المملكة) وجميع المستهلكين الكبار (امريكا واروبا والصين واليابان) يعرفون أن التعاون بين المنتجين والمستهلكين تفرضه مصالحهم المشتركة وأن سلامة الاقتصاد العالمي ورفاهية الانسان يتطلب عدم تسبب طرف في ضرر الطرف الاخر وأكثر مايتجلى هذا المبدأ الانساني النبيل هو انشاء أمانة منتدى الطاقة الدولي في الرياض عام 2000 بجهود شخصية وبعد نظر خادم الحرمين الشريفين.
الخلاصة بالتأكيد أن سلامة وازدهار ونمو اقتصاديات الدول المستهلكة هو في صالح الدول المنتجة ولكن ماذنب الدول المنتجة وماذا تستطيع أن تفعل اذا كان توازن سوق البترول يتطلب رفع الأسعار وأنه ليس لديها مايكفي لتلبية الطلب المتزايد على البترول.
عمود الأسبوع القادم - إن شاء الله - سيكون بعنوان: العوامل الجيولوجية تحدّد إنتاج البترول وليس الإنسان.