وانتشارها عالمياً، وخصوصاً في الدول المتقدمة، دليلاً واضحاً على المرونة التي تمتاز بها أحكام الشريعة الإسلامية، وقدرته على التعامل مع المستجدات والتقنيات الحديثة ومتطلبات العصر، ما يجعل العمل المصرفي الإسلامي أكثر انفتاحاً على العالم.
وتمثل البنوك الإسلامية واحدة من أعمدة الصيرفة الرئيسية في دول الخليج، ولها أصول بمئات مليارات الدولارات، وتستحوذ على نحو نصف صناعة الصيرفة بدول المجلس.
وأدى هبوط النفط بما يزيد عن 70% منذ منتصف 2014، إلى بروز تحديات تعترض طريق النمو، وعوائق مالية وخارجية في دول “مجلس التعاون الخليجي”، لكن البنوك الإسلامية استطاعت تجميع هوامش حماية كافية للتعامل مع الظروف الجديدة حال تدهور محدود في أوضاعها المالية، وفق وكالة “الأناضول”.
وتوقع تقرير وكالة “ستاندرد آند بورز” للتصنيف الائتماني، أن يؤثر ضعف الظروف الاقتصادية سلباً على الأداء المالي للبنوك الإسلامية في دول “مجلس التعاون الخليجي” خلال 2016 و2017.
وذكر التقرير الذي حمل عنوان: “ضعف الظروف التشغيلية سيؤثر على الأداء المالي للبنوك الإسلامية في دول مجلس التعاون الخليجي”، أن الظروف الحالية تُهيء الفرصة أمام الجهات التنظيمية للاقتراب نحو تطبيق أكثر صرامة لمبدأ تقاسم الربح والخسارة في الصيرفة الإسلامية.
وقال الرئيس العالمي للصيرفة الإسلامية في الوكالة، محمد دمق: “إن البنوك الإسلامية في العينة التي قمنا بدراستها، واصلت تحقيق مؤشرات جودة أصول، وأرباح ورسملة قوية خلال 2015 بحسب المعايير الدولية والإقليمية”.
وشمل تقرير الوكالة 16 بنكاً إسلامياً، يزيد إجمالي أصولها عن 5 مليارات دولار مع إفصاحات مالية، كافية لكي تقيم الأداء المالي للبنوك الإسلامية في دول المجلس.
معوقات تشريعية
وتمثل التشريعات الموجودة أبرز التحديات التي تواجه القطاع، فمنذ 1975 وهو تاريخ تأسيس “بنك دبي الإسلامي”، ومن ثم “بيت التمويل” وما تلاها، ولأكثر من 40 عاماً، عملت بعض البنوك من دون قوانين خاصة تحدد الأطر لها.
وتتجسد المعوقات التشريعية في أنها لم تواكب المبادرات الفردية التي تقوم بها بعض المؤسسات، حيث لا تتناسب بعض المنتجات مع حجم السيولة المتوافرة، وغياب التواصل والعلاقة البناءة بين المصارف الإسلامية والبنوك المركزية، وهو الأمر الذي يفوت على تلك المصارف العديد من فرص النمو، ورغم ذلك لا تزال قائمة وتحقق الأرباح.
الكوادر
وتعد الكوادر المؤهلة، من أهم التحديات التي تواجه الصيرفة الإسلامية، حيث إن الإشكالية تتعلق بحوكمة المؤسسات المالية الإسلامية، ويجب ترشيد هذه التجربة وتوجيهها في الطريق الصحيح، بحسب صحيفة “الوسط”.
ويعاني القطاع من فجوة الكوادر، فتعد الكفاءات ذات خلفية تقليدية، ويكون معظمهم غير مقتنع بالفكرة أساساً، كما تصل أعمار أعضاء الهيئات الشرعية إلى 60 عاماً، ولا يوجد لهم صف ثان يتولى المسؤولية بعدهم.
وتواجه الأسواق الإسلامية إشكالية بين مصارف تفتح الباب أمام الذرائع، وأخرى متشددة في هذا المجال.
وتوقع الاستشاري الشرعي محمد عمر الجاسر، أنه بحلول 2030 لن يكون في الخليج أي بنك تقليدي، لذا يجب تخطي مشكلة الجودة في المصارف.
ضعف رؤوس الأموال
واعتبر مصرفيون أن تحديات القطاع تتمثل في ضعف رؤوس أموال المصارف والمؤسسات الإسلامية، وهو الأمر الذي يقع أعلى سلم التحديات، وكذلك عدم وجود طرق وآليات لاستثمار الأموال الزائدة، وخصوصاً قصيرة الأجل، إضافة إلى طرق التمويل.
وأوضح مصرفيون أن ضعف رأس المال يفقد المصارف والمؤسسات الإسلامية قدرتها على المنافسة في تمويل المشروعات الضخمة، وخاصة في مجال النفط والغاز والطاقة، ولذلك تتوجه الدول والشركات إلى المصارف التقليدية لتغطية الطلبات ويشاهد ذلك بوضوح في جميع دول الخليج العربية التي تسعى إلى تمويل مشروعات البنية التحتية.
غياب آلية لاستثمار الأموال
ويرى المصرفيون أن عدم وجود آليات تمكن المصارف الإسلامية من استثمار الأموال الفائضة لديها وخصوصاً قصيرة الأجل، مثل ما هو موجود بين المصارف التجارية، يضعف المصارف الإسلامية ويجعلها عرضة لتكدس الأموال الفائضة التي لا يجرى استغلالها.
وقال أحد المصرفيين: “إن التخطيط للسيولة هو أحد التحديات الداخلية التي تواجهها المصارف الإسلامية، وعدم وجود سوق إسلامية لرأس المال، يضع عقبات أمام المصارف الإسلامية”.
وأضاف “المصارف التجارية تستطيع استثمار أموالها في أدوات مالية موجودة في السوق، بينما المصارف الإسلامية يجب أن تتحرى أين تستثمر أموالها، وأن هذا الوقت والجهد هما أحد العقبات”.
ولدى كل مصرف ومؤسسة إسلامية، هيئة شرعية تشرف على استثماراتها للتأكد من توافقها مع الشريعة الإسلامية، وبسبب وجود 5 مذاهب إسلامية مختلفة فإن فتاوى الهيئات الشرعية، والاجتهادات الشخصية للعلماء، ربما تختلف من مصرف إلى آخر بشأن جواز أو عدم جواز بعض المعاملات التي يقوم بها المصرف الذي لا يستطيع الاستثمار حتى حصوله على الموافقة من الهيئة.
وتنظر وكالات التصنيف الدولية إلى هذا الأمر بحساسية لتأثيره المباشر على تصنيف هذه المصارف والمؤسسات الإسلامية والتقليدية، وخصوصاً إذا لم تكن لديها سياسة قوية ومؤثرة لإدارة السيولة الفائضة، إذ تسعى مصارف تجارية وإسلامية عدة للحصول على التصنيف الدولي الذي يؤهلها للمشاركة في تمويل المشروعات.
ورغم ذلك تقوم بعض المصارف والمؤسسات بإصدار سندات إسلامية تعرف باسم “صكوك”، غير أن وكالات التصنيف الدولية لا ترى ذلك كافياً حيث تكون هذه الأدوات كافية للحلول محل السوق العالمية في ما بين المصارف التي تنظم عملية الإقراض فيما بينها.
السعودية في الصدارة
وأظهر تقرير أصدرته “إرنست ويونغ” حول (التنافسية العالمية للقطاع المصرفي الإسلامي لـ2016)، أن السعودية لا تزال تهيمن على أكبر حصة من سوق الصيرفة الإسلامية العالمي، بسيطرتها على 33% من هذا السوق.
وجاء في تقرير أصدرته الشركة حول التنافسية العالمية للقطاع الصيرفي الإسلامي في أبريل (نيسان) 2015، أن قيمة الأصول المتوافقة مع الشريعة الإسلامية بالقطاع المصرفي الإسلامي في السعودية، ستصل لـ683 مليار دولار بحلول 2019، وتعتبر السعودية سوقاً رئيساً لنمو القطاع الصيرفي الإسلامي، إذ تحتضن أول مصرف إسلامي مع أسهم تزيد قيمتها عن 10 مليارات دولار.
وتعد السعودية مع هذه النسبة أكبر مساهم في إجمالي أصول الصيرفة الإسلامية العالمية، تليها ماليزيا مع نسبة 15.5%، ثم الإمارات العربية المتحدة بنسبة 15.4%.
فيما أوضح تقرير لـ”صندوق النقد الدولي” أن السعودية جاءت بالمرتبة الأولى من حيث حصتها بالصيرفة الإسلامية، والتي بلغت 240.1 مليار دولار، أي ما يمثل 49% من الحصة الإجمالية لدول الخليج.
وبلغت حصة دول الخليج من الصيرفة الإسلامية نحو 490 مليار دولار، فيما تشكل أصول دول المجلس نحو 38.2% من أصول الصيرفة الإسلامية العالمية.
وجاءت الإمارات ثانياً بـ93.1 مليار دولار، ثم الكويت بـ78.4 مليار دولار، وقطر رابعاً بنحو 53.9 مليار دولار، فيما جاءت البحرين أخيراً بقيمة 24.5 مليار دولار.
وسجلت السعودية تجربة ناجحة في مجال الصرفية الإسلامية رغم حداثتها نسبياً، والتي بدأت بتأسيس “البنك الإسلامي للتنمية” 1975، متوقعاً أن تصل نسبة التعاملات المصرفية الإسلامية بالسوق السعودية لـ70% خلال 2019.
خطوات تطويرية في الإمارات
وبين “صندوق النقد الدولي”، أن حصة البنوك الإسلامية من إجمالي الأصول المصرفية في الإمارات تخطت 20%.
وتستحوذ بنوك دبي على أعلى نسبة من إجمالي قاعدة المستثمرين في صكوك مختارة قاربت نحو 80%، فيما تصدرت ماليزيا القائمة من ناحية الصناديق التي شكلت نسبتها في دبي نحو 15%.
إلى ذلك، قررت الإمارات إنشاء هيئة شرعية عليا لوضع معايير العمل المصرفي والمالي المتوافق مع الشريعة بالدولة، ما يعزز قدرة المصارف الإسلامية الإماراتية على المنافسة على الصعيد العالمي.
فيما أطلق مصرف “الإمارات الإسلامي” مؤشراً يقدم مقياساً سنوياً للتغيرات في مستوى (الانتشار – الانطباع – المعرفة – النية) المتعلقة بمستهلكي الخدمات المصرفية المتوافقة مع أحكام الشريعة الإسلامية في الإمارات.
ويعد “مؤشر الصيرفة الإسلامية من الإمارات الإسلامي”، أول استطلاع من نوعه لمستهلكي قطاع الصيرفة الإسلامية في الإمارات.
اقرأ أيضاً:
خبراء: الصيرفة الاسلامية محل تنافس شديد بين الدول
انطلاق المنتدى الاقتصادي الأول للصيرفة المالية الإسلامية في اسبانيا
965 مليار درهم أصول «المصارف الإسلامية» في الإمارات بحلول 2019