بعبارات مثل: ''بعيد عن العين بعيد عن الذهن'' يمكن للمرء أن يخرج بفرضية طبيعية أن هنالك الكثير مما يمكن كسبه من الاتصال المباشر وجها لوجه.
لكن، وبناء على قول رودريك سواب، الأستاذ المساعد للسلوك التنظيمي، فإن كون المرء قادرا على رؤية الآخرين والاتصال العياني قد لا يكون دائما أفضل شيء في أي سيناريو، بما في ذلك المفاوضات ذات الأهمية العالية في الشركات.
وهو يقول: ''إذا نظرت إلى البحث- تحصل على صورة مشوشة جدا، وهنالك بعض الأبحاث التي تظهر بالضبط أننا نكسب في بعض الأحيان أشياء كثيرة من القدرة على رؤية الطرف الآخر، وفي الوقت ذاته هنالك قدر كبير من الابحاث التي تظهر العكس تماما، بأن الاتصال البصري قد يضر.
إذن متى ينجح الاتصال العياني؟
يقول سواب إن الاتصال العياني والاتصال البصري يمكن أن ينبآ بشيء . حين لا يكون الناس يعرف بعضهم بعضا مثل المقابلات للتوظيف، وحين لا يكون لدى الناس حافز قوي للتعاون أو التنافس فقد يساعدهم هذا على تكوين انطباع أكثر اكتمالا عن الطرف الآخر، وبعد هذا، فإن على المرء أن يكون حريصا على قراءة الأشياء الكثيرة جدا من الاتصال العياني، لأن معظمنا لسنا أفضل من القراءة اللحظية لتعبيرات وجوه الآخرين.
لكن المواجهة التي تسمح بالاتصال العياني قد تفشل بشكل مؤسف في سيناريوهات يكون هناك فيها، تضارب، وهنا يقول سواب: ''في الأوقات التي يكون فيها تضارب شديد، فقد يكون من الأفضل فعلاً ان نفصل بين الخصوم بطريقة يتم بها تجنب كل الاتصال العياني أو البصري، وربما يكون من الأفضل أن نشرك طرفا ثالثا يستطيع أن يتوسط في الصراع في نزاع ربما يكون قد نشأ بين الشخصين، وإذا كان النزاع أو التفاوض أقل إثارة للمشكلات، لكن يظل هنالك بعض التضارب فقد يكون من الأفضل فعلا التحول إلى أشكال إلكترونية للاتصال مثل البريد الإلكتروني أو إرسال الرسائل الفورية.
الفروق الجندرية
يوحي بحث سواب أيضا بأن هنالك فروقا صارخة بين الجنسين فيما يتعلق بكيفية اتصالهم فيما بينهم.
يقول سواب: ''الرجال يستجيبون بشكل مختلف عن النساء في الاتصال العياني، على الأقل في الثقافات الغربية، وتظهر بعض الأبحاث أنهم يفضلون اللعب مع شخص آخر من الجنس نفسه وهما يجلسان جنبا إلى جنب بينما، تجلس بنتان على الأرجح تقابل أحدهما الأخرى، وهذا الفرق موجود أيضا لدى البالغين : فالنساء يكن أكثر ارتياحا وهن يحملقن (الواحدة بالأخرى) وهن يحملقن لفترة طويلة، ويميل الرجال إلى تجنب ذلك ، ويربطانه بمحاولات ترمي إلى السيطرة على الحديث''.
وقد اعتقدنا أن هذا لا بدّ أنه يؤثر في مقدرة الناس على التصرف بشكل إبداعي خلال تفاوض ووجدنا بالضبط أن الاتصال البصري يفيد امرأتين لا تعرفان بعضهما لأنهما أكثر ارتياحا به، بينما العكس هو الصحيح بالنسبة لرجلين لا يعرف أحدهما الآخر.
ويقول سواب :'' ببساطة، قد يكون من الأفضل لرجلين لا يعرف أحدهما الآخر أن يضعا حاجزا بينهما أو إجراء التفاوض عن طريق الهاتف بدلاً من المواجهة''.
لكن في مجموعات مختلطة فإن التباين أقل حدّة، فهذه الفروق تعتمد بقوة على طبيعة العلاقة بين الأطراف المعنية فإذا كان الناس لا يعرف أحدهم الآخر، ولا يوجد لديهم أي حافز قوي للتنافس أو التعاون، وهم منفتحون نسبيا للنقاش، عندها يكون هنالك مدى أكبر ليكون لوسيلة الاتصال أثر في سلوكات الناس.
الحساسيات الثقافية
ثقافيا، هنالك فروق أيضا. ويقول سواب إن أثر رؤية الطرف الآخر يعتمد أيضا على معايير الاتصال المحلية، ومع جعل الاتصال العياني شيئا مناسبا في ثقافات يقدر فيها الاتصال المباشر كثيرا فإن بعض الناس الذين يفضلون طريقة اتصال أقل مباشرة قد يحجمون عن الاتصال المباشر.
ويوضح سواب: ''إن ما نجده هو أن دور التكنولوجيا له أثر أكثر إيجابية في ثقافات يشكل فيها الاتصال غير المباشر، المعيار (مثل بعض البلدان الآسيوية)، فالناس من هذه الثقافات أفضل في استخدام البريد الإلكتروني للتوصل إلى نتائج ابداعية في مهام اتخاذ القرارات الجماعية أو مهام التفاوض''.
ويمكن لهذه النتيجة البسيطة أن تكون ذات فائدة كبيرة للطريقة التي تشكل فيها شركتك، وبالاستشهاد بمثال لشركة أمريكية لصناعة الملابس والتي كانت مهتمة بعلاقة عمل مستقرة طويلة الآأجل، مع مورّد آسيوي، يقول سواب إن الشركة الأمريكية استفادت لأنها كانت حساسة آزاء معايير الاتصال لدى نظيرتها الآسيوية.
وبدلا من التوجه جوا إلى هناك، والقيام بكل المفاوضات وجهاً لوجه، اقترحت على الطرف الآخر اختيار وسيلة الاتصال، وفضلت الشركة الآسيوية فعلا الاتصال عبر البريد الإلكتروني أو الرسائل الفورية لأن هذا سيجعلها في الموقع الذي يمكنها من القيام بكل هذه المفاوضات باللغة الإنجليزية.
ويوضح سواب: ''هذا القرار أعطى الشركة الآسيوية وقتا لأطول لمعالجة الاقتراح الأمريكي والتفكير في ردّ مناسب، وكانت هذه خطوة ذكية لأن الآسيويين رأوا بالفعل أن الأمريكيين قدموا لهم خدمة بجعلهم يختارون وسيلة الاتصال، ولم يؤد هذا فقط إلى المساعدة في بناء الثقة بين الطرفين، فهو أيضا جعل من المرجح ان يردّوا على تلك الخدمة بالمقابل مع مرور الوقت''.
وعلى عكس ذلك، يوضح سواب أن الشركات التي ترمي إلى التفوق في الأداء والمنافسة يمكن لها أن تختار الاتصال في مناخ تكون نظيرتها أقل ارتياحا. ومثال على ذلك، يذكر سواب أنه عندما تعرف أن نظيرك ليس سريعا في الطباعة مثلك يمكنك أن تبادر بالمفاوضات عن طريق الرسائل الفورية لأنها دردشة متزامنة حيث يمكن لنا أن نرى ما يطبع الطرف الآخر بشكل مباشر. وإذا كان نظيرك طابعا أبطأ ، يكون لديك مجال زمني أطول، وفرص للتأثير عليهم، الأمر الذي يمكن أن يعطيك تفوقا في المفاوضات.
وبحث سواب الذي يقارن حملة ماجستير إدارة الأعمال والتنفيذيين، وحملة ماجستير إدارة الأعمال ونظرائهم الأكبر سنا، يؤيد هذه النظرية، وهو يقول :''إن ما وجدناه هو بالضبط هذا أن حملة ماجستير إدارة الأعمال في أواخر العشرينيات وأوائل الثلاثينيات من العمر اعتادوا على استخدام هذه الوسيلة، فهم يطبعون بشكل أسرع، ويمكن لهم نتيجة ذلك أن يتفوقوا في الأداء على أي نظير يطبع بشكل أبطأ، بمن فيهم مديروهم الأكبر''.