والبشرى هي أن هذا النوع من النتائج ممكن. وبالتالي كيف يمكنك أن تفاوض في صفقة صعبة مع استعمال مهارات ناعمة في الوقت ذاته؟ كيف يمكنك أن تطالب بما تريده دون حرق جسور هامّة مع الآخرين؟
ما الذي يقوله الخبراء؟
المفاوضات هي “مثل المغازلة أو المراقصة” كما يقول مايكل ويلر، الأستاذ الجامعي في كلية هارفارد للأعمال ومؤلف كتاب “فن التفاوض: كيف تجترح اتفاقاً في عالم مفعم بالفوضى”. وهو يضيف قائلاً: “لكنك لست مضطراً إلى تقديم التنازلات أو القبول بأقل ممّا تريد من أجل المحافظة على علاقة طيبة.”
ويوافقه في الرأي جيف فايس، الشريك في (Vantage Partners)، وهي شركة استشارية مقرّها بوسطن ومتخصّصة بالمفاوضات في الشركات الكبرى وإدارة العلاقات، ومؤلف “دليل هارفارد بزنس ريفيو إلى المفاوضات”.
فبحسب فايس، يعتقد الناس بأنه يتعيّن عليهم إما أن يكونوا لطفاء لكي يتجنّبوا المشاعر القاسية، أو أن يفرطوا في القسوة لكي يكسبوا. بيد أنه يقول أن هذا الاعتقاد “يقوم على فرضية زائفة وخطيرة في الوقت ذاته.” وإليكم في السطور التالية كيف تفاوضون بطريقة تسمح بالمحافظة على علاقة دائمة وتعطيكم المحصلة التي تفيدكم.
حاولوا إجراء دردشة بسيطة
يقول فايس: “لا تتسرّعوا بالدخول في جوهر الموضوع فوراً.” ويضيف: “عرّفوا بأنفسكم، وخذوا بعض الوقت لتتعرّفوا على الناس، وعلى طريقة عملهم، وأسلوبهم في التصرّف.”
فهذا النوع من الدردشة غالباً ما يمكن أن يمدّكم بمعلومات أساسية حول اهتمامات الجانب الآخر وهذا أمر قد يساعدكم في مرحلة لاحقة. كما أنه يساعد في خلق حالة من الألفة والوئام، وفي بعض الأحيان، قد يؤدي إلى زرع بذور الثقة أيضاً. فبحسب دراسة أجرتها جامعة ستانفورد، كان الطلاب الذي طُلب منهم الدخول في دردشة بسيطة قبل التفاوض أميل بكثير إلى التوصّل إلى اتفاق مقارنة مع الطلاب الذين لم يفعلوا ذلك. ولا ينبغي أن تكون المحادثة شخصية بالضرورة.
إذا يمكنكم الحديث حو العملية ذاتها مثلاً – كأن تقرّروا الوقت الذي يجب أن تستغرقه العملية، وكيف يمكن للطرف الآخر إشراك جهات أخرى معنية – وهذا قد يعطيكم تفاصيل إضافية حول السياق قد تكون مفيدة في مرحلة لاحقة. يقول ويلر أن إجراء هذه الدردشة الصغيرة “هو المكان الذي يتألق فيه المفاوضون العظماء حقاً”.
لا تحاولوا استجداء المحبّة
عندما تكون علاقة تجارية هامّة معرّضة للخطر، فإن هناك نزعة إلى التنازل أمام مطالب الطرف الآخر بغية تجنّب التوتّر أو المواجهة. ولكن “المال لا يشتري لكم الحب بالضرورة” كما يقول ويلر. فتقديمكم للتنازل في مجال الأسعار أو في الجوهر لأنكم لا تريدون إزعاج الطرف الآخر هو سيناريو خاسر، حتى لو كنتم تعتقدون بأنكم قد أنقذتم العلاقة مؤقتاً. يقول فايس: “على أرض الواقع، أنتم لم تكسبوا شيئاً، ولم تبنوا الثقة، عدا عن أنكم قد علّمتم الطرف الآخر أن يفاوض بهذه الطريقة.” فالرد على ضغوط الطرف الآخر بطريقة احترافية لا يجب أن يكون بالضرورة بأسلوب قتالي. وإنما بوسعكم “تحدّي الناس بطريقة محترمة” كما يقول فايس.
استعملوا أساليب إبداعية
حاولوا إسقاط كلمة “تنازل” من تفكيركم، لأنها غالباً ما تساعد في خلق ذهنية عدائية قائمة على المواجهة. يقول فايس: “إذا نظرتم إلى المفاوضات بوصفها عملية قائمة على الخصومة، فإنكم بذلك ستساعدونها في أن تصبح خصومة حقيقية”. عوضاً عن ذلك، تعاملوا معها على أنها عملية تعاونية تهدف إلى حل المشكلة بطريقة مشتركة. أطرحوا الأسئلة التالية: ما هي القضايا الحساسة والأساسية المطروحة؟ وما هي مصالحي وما هي مصالحهم؟ وما هي بعض الخيارات المختلفة الممكنة لتلبية هذه المصالح المختلفة؟ يقول فايس: “ليس جوهر المفاوضات هو التنازل وإنما اللجوء إلى أساليب إبداعية.” فالأسلوب الإيجابي والمُبتكر لا يقودكم على الأرجح إلى حل أكثر فائدة فحسب، وإنما يساعدكم أيضاً في تعزيز الثقة.”
شدّدوا على كلمة “نحن” أكثر من التشديد على كلمة “أنا”
سلّطوا الضوء على القواسم المشتركة. فاستعمالكم لكلمة “نحن” أكثر من كلمة “أنا” يرسل إشارة إلى الطرف الآخر بأن هناك مجالات متّفق عليها وبأنكم ترتؤون مستقبلاً من العمل المشترك فيما بينكم. يقول ويلر: “حاولوا الانتباه إلى الأشياء التي تجعل الآخرين يتعاونون معكم بطريقة بنّاءة.” وإذا وجدتم أن المفاوضات عالقة حول قضية معيّنة، ينصحكم ويلر أن تتوقفوا قليلاً لتلخّصوا الإنجازات التي توصّلتم إليها حتى تلك اللحظة، ويضيف ناصحاً: “قولوا: “لقد اتفقنا على النقطتين الأولى والثانية. أما النقطة الثالثة فلازالت مشروطة أما النقطة الرابعة فوضعها جيد. ويبدو أننا الآن أمام مشكلة في النقطة الخامسة. لقد قطعنا شوطاً كبيراً من الرحلة نحو قمّة الجبل. وسيكون من المعيب أن نعلق بسببها.”
اطرحوا الأسئلة… واصغوا إلى الإجابات
المفاوضون العظماء لا يعرضون مطالبهم فقط: فهم يطرحون أسئلة حذرة تهدف إلى فهم مصالح الطرف الآخر فهماً أفضل. ينصح فايس بما يلي: “لا تسألوا الناس فقط عمّا يريدونه؛ وإنما اسألوهم أيضاً عن السبب الذي يجعلهم يريدونه والهدف من ذلك. فالانتقال من مجرّد تعداد المطالب إلى معرفة سبب الحاجة إليها يساعدكم في التعاون بشكل أفضل.” ويضيف ويلر بأن طرح أسئلة معروفة الإجابات أو لا تبحث عن إجابات هو أمر مرفوض بتاتاً. وبحسب رأيه طرح سؤال من قبيل: “ألا تعتقد أن هذا منصف؟” يجعل الطرف الآخر “يشعر بأنه محشور في الزاوية.”
ضعوا نفسكم مكان الطرف الآخر
لا تفترضوا أن مواقف الطرف الآخر هي عبارة عن تصرّفات استفزازية مُتعمّدة: فقد يكون الطرف الآخر أيضاً معرّضاً لضغوط قد لا تكون ظاهرة مباشرة لكم. “عندما نكون مضطرين إلى إبداء القسوة، وعندما لا نستطيع الانحناء، فإن ذلك قد يكون ناجماً عن تخفيض في موازنتنا أو عن اضطرارانا إلى إنجاز الأهداف المطلوبة خلال الفترات المقبلة،” يقول ويلر. ولكن “عندما يبدي طرف آخر القسوة معنا، فإننا نفترض بأنه هو القاسي. وأن هذا جزء من طبيعته الشخصية. لذلك يتعيّن علينا أن نتذكّر أنه هو أيضاً ربما يكون معرّضاً لقيود وضغوط.” وبالتالي فإن التحضير هنا يمكن أن يكون مفيداً جداً. لأن ذلك قد يجعلكم تعرفون مسبقاً بأن الطرف الآخر معرّض للضغوط بسبب مشاكل في سلسلة التوريدات، أو نتيجة وجود قيادة جديدة في الشركة. لذلك حاولوا أن تنظروا إلى القضية التي بين أيديكم من خلال عيني الطرف الآخر.
مبادئ يجب تذكّرها
ما يجب فعله:
انظروا إلى المفاوضات بوصفها تحدّياً لحل مشكلة.
خذوا الوقت الكافي للدخول في دردشة صغيرة. فهذا الأمر سيخلق روابط بوسعكم الاستفادة منها لاحقاً.
ركّزوا على القواسم المشتركة والمجالات التي تتفقون عليها، واستعملوا كلمات من قبيل “نحن” لترسلوا إشارة بأنكم تستثمرون في علاقة طويلة الأجل.
ما لا يجب فعله:
لا تحاولوا استجداء المحبّة معتقدين أن ذلك سيكون لمصلحتكم. لأن هذا الأمر سيدخلكم في مشاكل مستقبلاً.
لا تسألوا الطرف الآخر ببساطة ما الذي يريده، وإنما أسألوه لماذا يريد ما يريده.
لا تخطئوا في التمييز بين الأثر والنية. فالطرف الآخر قد يكون معرّضاً لضغوطه الخاصّة به والتي تحدّ من قدرته على المناورة.
مثال عن حالة دراسية: أخذ استراحة للاستفسار عن بعض الأمور
عُيِّن جيف هايدوك في منصب رئيس الفريق المفاوض نيابة عن شركة تعمل في مجال الطاقة الشمسية، وكان الهدف هو تقديم عرض للحصول على مشروع كبير للطاقة الشمسية في ماساتشوستس. والشركة الفائزة بالعرض لن تقوم بتصميم المشروع وتركيبه فقط، وإنما ستموّله وتمتلكه لمدّة 20 عاماً، بحيث تبيع الطاقة إلى سكّان المنطقة بأسعار مخفّضة. ونظراً لطول مدّة العقد، فقد كان من الحتمي أن يبني الجانبان علاقة عمل ممتازة وأن يُحافظا عليها.
وكانت البلدية صاحبة المشروع قد رفضت عرضين من شركتين على الأقل قبل أن يقدّم هايدوك عرضه. وبالتالي، عندما بدأت المحادثات التمهيدية، قضى هايدوك معظم وقته في التعرّف على الجهات المعنية وفي طرح الأسئلة عليها. يقول هايدوك متذكراً تلك الفترة: “كلما قضيت وقتاً أطول مع مجموعة الناس، كلما كنت أقدر على معرفة الأمور التي تهمهم، لذلك قضينا أول 20 دقيقة في الحديث عن هواية الغولف لدى هذا الشخص وعن حفيدة ذلك الشخص. وفي نهاية المطاف تصلون إلى نقطة تشعرون فيها بأن الجميع يتصرّف بشفافية.”
هذا الأمر سمح لهايدوك في الحصول على إجابات صريحة عن أسئلة من قبيل: ماذا كانت القضايا الساخنة الأساسية التي جعلت المفاوضات مع الشركتين السابقتين تفشل؟ ماذا كانت المشاكل الأساسية التي تشغل بال السكّان وماذا كانت المحصلة المثالية التي يطمحون إليها؟ يقول هايدوك: “بعد أن باتت لدي فكرة أوضح حول المشاكل والحلول الممكنة، عدت إلى شركتي وجلست مع مديري في مكتبي، وتمكّنا من التوصّل معاً إلى حلين مبتكرين لإصلاح هذه المشاكل لم يخطرا على بال الشركتين السابقتين.”
فازت الشركة بالعقد في نهاية المطاف. أما هايدوك، الذي كان قد أطلق منذ ذلك الوقت شركة (ecoCFO)، وهي شركة تقدم خدمات إدارة مالية إلى شركات الطاقة والبيئية، فهو يعتقد بأن الأمانة، والشفافية، وطرح الاستفسارات هي العوامل التي ساعدت الشركة في إتمام الصفقة. يشرح هايدوك الأمر قائلاً: “لم يكن هناك مجال للغموض، أو السير في اتجاه خاطئ، أو غير ذلك من التكتيكات التفاوضية التي قد يستعملها الآخرون. وقد أدركنا جميعاً بأن نجاح الأمر لا يتوقف على الدخول في شراكة مع أي كان. بل كنا بحاجة إلى الشراكة الصحيحة.
اقرأ أيضاً:
تعرف على تسع قواعد مالية جديدة مفيدة لأطفالك