تبرز أوروبا وآسيا كلاعبين مهيمنين في سوق العملات المشفرة، وبينما احتفظت آسيا بميزة تنافسية في هذه السوق، تستفيد أوروبا من أطرها التنظيمية وبنيتها المالية المتطورة وقدرتها على الابتكار لتعزيز مكانتها.
وفقا لبعض التقديرات، تحتل أوروبا المرتبة الثانية بعد أمريكا الشمالية في سوق العملات المشفرة العالمية، حيث تمثل نحو 18% من حجم المعاملات العالمية.
ويرجع الخبراء هذه المكانة إلى ما يعدونه قمعا للعملات المشفرة في عديد من الدول الآسيوية، خاصة الصين، ما جعل اليورو ثاني عملة ورقية تُستخدم في مبيعات وشراء العملات المشفرة بعد الدولار الأمريكي.
في هذا السياق، تقول الخبيرة الاستثمارية في العملات المشفرة ماريا توم، في تصريح لـ"الاقتصادية": إن "قوة الأسواق الأوروبية في عالم العملات المشفرة تعود إلى قدراتها التنظيمية، كاللوائح الواضحة، والشفافية في التعامل، وتبني المؤسسات الاستثمارية الأوروبية هذه العملات، وهو أمر حيوي لنمو السوق".
من وجهة نظرها، يتناقض هذا بشكل صارخ مع النمط الآسيوي، حيث يراوح الوضع بين الحظر كما في الصين أو الأطر التنظيمية المجزأة كما في كوريا الجنوبية واليابان. وبالتالي، فإن حماية المستهلك والحفاظ على الخصوصية يجعلان أوروبا مركزا جذابا للعملات المشفرة.
مع ذلك، يعتقد بعض المتداولين في أسواق العملات المشفرة، ومن بينهم إس. ك. دانييل، أن هذا التقدير للأسواق الأوروبية مبالغ فيه، حيث يركز فقط على الجانب التنظيمي، متجاهلا أن أسواق العملات المشفرة هي في الأساس أسواق تنافسية، وهذا هو العامل الحاسم فيمن سيتبوأ عرش هذه الأسواق.
وفي حديثه لـ"الاقتصادية" يقول: "يصعب إنكار تقدم أوروبا، لكن آسيا منافس قوي، فهي موطن لبعض أكبر بورصات العملات المشفرة. وفقا لمؤشر هينلي لتبني العملات المشفرة لعام 2024، تحتل سنغافورة وهونج كونج والإمارات المراكز الثلاثة الأولى في أسواق العملات المشفرة، بينما جاءت الولايات المتحدة والمملكة المتحدة في المركزين الرابع والخامس على التوالي".
يرى المؤيدون لقوة آسيا في سوق العملات المشفرة أن شركات التكنولوجيا الآسيوية، مثل سامسونج، تعزز اعتماد الأسواق لهذا النوع من العملات، ما يعزز القوة الآسيوية في هذا المجال.
في ظل أجواء المنافسة المحتدمة بين أوروبا وآسيا على تصدر أسواق العملات المشفرة، يعتقد البعض أن الأطر التنظيمية والبنية الأساسية ستعززان قدرة أوروبا على جذب كبار المستثمرين والمؤسسات المالية، بينما ستحافظ الأسواق الآسيوية على مرونتها الكبيرة.
إلا أن، الدكتور مارك طومسون، أستاذ الأنظمة المصرفية، يرى أن أوروبا وآسيا قد تتجنبان المنافسة عبر نهج قائم على التخصص.
ويقول لـ"الاقتصادية": "تبدو أوروبا، بحكم نضج مؤسساتها المالية وطابعها العالمي، مهيأة للتخصص في العملات الرقمية للبنوك المركزية عبر اليورو الرقمي، ليعمل كمكمل للنقود وليس بديلاً عنها، وسيكون منصة قانونية للاستخدامات عبر الإنترنت وخارجها".
ويضيف "في المقابل، ستتجه الدول الآسيوية مثل سنغافورة وهونج كونج وماليزيا والإمارات وكوريا الجنوبية إلى تصميم شبكات مفتوحة وقابلة للتشغيل المتبادل للأصول الرقمية، مع مزيد من التدابير الحمائية للمستهلكين، وأبرزها حظر خدمات الإقراض بالعملات المشفرة".
هذا التصور يدفع الخبراء إلى توقع أن تعمل أوروبا وآسيا معا في نهاية المطاف على توحيد اللوائح والابتكار المشترك، خاصة أن أسواق العملات المشفرة لا تزال في مرحلة مبكرة.
ورغم أن المنافسة تدفع النمو، فإن تعاون الأوروبيين والآسيويين قد يسهم بشكل أكبر في بناء اقتصاد رقمي حقيقي يصب في مصلحة المتعاملين بالعملات المشفرة في القارتين وعلى مستوى العالم.