دعوني أبدأ بشرح مبسط لنظام الرهن العقاري المعمول به في أمريكا: يتسلم البنك طلب العميل للحصول على قرض لشراء منزل بعد تعيينه وتقييمه من قبل البنك يقوم العميل بدفع نسبة من قيمة المنزل 20 في المائة كدفعة أولى ومن ثم يقوم البنك بتمويل العميل بالجزء المتبقي من قيمة المنزل بسعر فائدة ثابت أو متغير مرتبط بتغير أسعار فائدة معينة (وهذا هو أساس المشكلة). مثال على ذلك: قيمة المنزل 100 ألف دولار بحيث يقوم العميل بدفع 20 ألف دولار ويقوم البنك بإقراض العميل 80 ألف دولار بسعر فائدة يتفق عليه بعد رهن المنزل للبنك، وفي حالة أن العميل تأخر في السداد يقوم البنك بالاستيلاء على المنزل وبيعه بسعر السوق واستيفاء أصل القرض وفوائده وغرامات التأخير في السداد.
والآن لنتكلم عن مشكلة الرهن العقاري، ظهرت المشكلة في العامين 2007 و2008، والتي أدت إلى قلة السيولة في النظام
البنكي وزعزعت أسواق المال بسبب قلة الإقراض للشركات الأخرى لتمويل استثماراتها. كانت البداية عند ارتفاع أسعار المباني المستمر في السوق العقارية الأمريكية، وبالتالي بدأت البنوك في تخفيف طلبات الإقراض على العملاء مثل تخفيض نسبة الدفعة الأولى (وذلك بسبب التوقعات المتفائلة لارتفاع أسعار العقار من قبل المحللين فما هو بـ 100 ألف دولار هذه السنة يتوقع أن يصبح بـ 110 ألف دولار مثلا), إضافة إلى إقراض عملاء آخرين ذي مخاطر عالية بعد رفع نسبة الفائدة والإقراض بنسب فائدة متغيره وليست ثابتة. طبعا العملية بالنسبة للبنك ذات مخاطر منخفضة بسبب أن عملية التمويل مرتبطة برهن تلك المنازل لحساب البنك. ثم قامت البنوك بإصدار سندات الرهن العقاري المدعومة بتلك العقارات للحصول على سيولة أكبر ونقل مخاطر الإقراض إلى أطراف أخرى، وبيعها على شركات استثمارية - شركات في الأسواق العالمية - ونظرا لارتفاع مخاطر بعض محافظ القروض بدأت البنوك بالدخول في اتفاقيات مع شركات التأمين على أن تدفع تلك الشركات الاستثمارية أقساط تأمين لضمان تلك القروض. لاحظ عزيزي القارئ أن حجم عمليات الإقراض كان هائلا جدا، لدرجة أن سوق أمريكا للأسهم حقق ما يقارب ثمانية تريليونات دولار خسائر خلال السنة الماضية بسبب تلك المشكلة. وما يقارب مليون و300 ألف منزل أمريكي تم مصادرتها من ملاكها لعدم القدرة على السداد في عام 2007.
بعد ارتفاع أسعار الفائدة وارتفاع معدلات البطالة وأسعار البترول وظهور علامات الكساد على الاقتصاد الأمريكي بسبب ارتفاع أسعار البترول بدأ أغلب العملاء في التأخر في أو عدم السداد لارتفاع أقساط التسديد، وذلك لارتفاع الفوائد على قروضهم، وبالتالي أخذت البنوك في الاستيلاء على المنازل المرهونة وعرضها في السوق العقارية الأمريكية فزاد المعروض منها وانخفضت أسعار العقار بشكل سريع وبالتالي عدم مقدرة البنوك في استيفاء قروض سندات الرهن، ما أدى إلى شح في السيولة وبدأت البنوك في تحقيق خسائر لعدم وفاء ديونها للعملاء وارتفاع نسب الرافعة المالية لأغلب البنوك Leverage Ratio وبالتالي تدخل شركات التأمين في تغطية تلك الخسائر، وبما أن عمليات الإقراض كانت كبيرة بما يفوق مراكز شركات التأمين والبنوك المقرضة المالية أدى ذلك إلى سقوط الكثير من تلك البنوك وشركات التأمين. وبالتالي عمل ارتباك في النظام المالي الأمريكي فبدأ الأفراد في سحب الودائع من تلك البنوك المتعثرة، ما أدى إلى زيادة المشكلة لتلك البنوك وسقوطها. إضافة إلى تلك الارتباكات في النظام المالي رفعت البنوك ومؤسسات الإقراض متطلبات الإقراض بسبب نقص السيولة وارتفاع المخاطر، ما أدى إلى تعثر الشركات الاستثمارية في القطاعات الأخرى لعدم قدرتها على الحصول على السيولة لإجراء عملياتها الاستثمارية.
بعد ذلك تدخل البنك المركزي الفيدرالي بتخفيض أسعار الفائدة لزيادة السيولة, إضافة إلى سلسلة من الإجراءات الأخرى كدعم بعض أكبر المؤسسات المالية المتعثرة مثل فاني ماي وفريدي ماك.
ألقت تلك المشكلات الأمريكية بظلالها على جميع الأسواق العالمية لأن السوق الأمريكية تعد أكبر الأسواق استحواذا على المحافظ الاستثمارية العالمية، إضافة إلى أسعار صرف الدولار. الرسم البياني أدناه يوضح تلك المشكلة.