وقال الخبراء المشاركون في أعمال مؤتمر حوار الطاقة الذي ينظمه مركز الملك عبد الله للدراسات والبحوث البترولية، إن التوجهات والرؤى التي يطرحها خادم الحرمين الشريفين حول الطاقة المتجددة ومنها هذا المركز يمكن بالفعل عند تفعيلها أن تضع المملكة ضمن أهم منتجي الطاقة المتجددة في العالم خلال السنوات العشر المقبلة.
من ناحيتهم أكد مسؤولون سعوديون أن المملكة وضعت ميزانية شبه مفتوحة لتطوير برامج الطاقة المتجددة، مشيرين إلى أن مشاريع إنتاج الطاقة الشمسية تلقى دعما لا محدودا من وزارة المالية، إذ تم تمويل أحد تلك البرامج في أقل من ثلاثة أيام.
وهنا قال الدكتور محمد السويل رئيس مدينة الملك عبد العزيز للعلوم والتقنية إن هناك دعما خاصا تلقاه مشاريع الطاقة المتجددة في المملكة، إذ أكد أنه سبق وتقدم لوزارة المالية بطلب تمويل أحد مشاريع المدينة في هذا الصدد، داعيا إلى سرعة تمويلها في مدة لا تزيد على شهرين، إلا أن الرد كان سريعا ومباشرا وفي أقل من ثلاثة أيام من قبل وزير المالية الذي قال "ولماذا ننتظر شهرين ابدأ فورا وقد وقعنا شيك التمويل".
وبين السويل أن التركيز كان ينصب في البداية على إنتاج وتحلية المياه في المقام الأول، حيث عمل في المدينة نحو 130 خبيرا ركزوا على استخدام الطاقة الشمسية في ذلك ونحن اليوم ننتج خُمس إنتاج العالم من المياه المحلاة.وقال "عندما بدأنا في الخطوة تعاونا مع ibm حول مواضيع في قطاع الطاقة الشمسية والأغشية بهدف استخدامها لتحلية المياه، فنحن نركز في محطة تحلية المياه على الطاقة الشمسية سواء في الخفجي في الساحل الشرقي للسعودية وهي تنتج كميات كبيرة من الطاقة الشمسية للمملكة واستهدفنا أن تشتغل المحطة في الربع الأول من 2013 .. ونحن هنا لا نتحدث عن الإنتاج فقط ولكن نقوم بتطوير مفاهيم جديدة".
وبين السويل أن السعودية أسست مصنعين أحدهما يعمل الآن والثاني تحت البناء للأغشية الشمسية، مشيرا إلى أن المدينة تعمل على تقليل التكلفة للوصول إلى إنتاج كبير جدا في 2013.
وليد الرميح مدير مركز كفاية الطاقة في مركز الملك عبد الله للبحوث الدولية قال من جانبه إن أهداف المركز هي تطوير خيارات إنتاج الطاقة الشمسية في السعودية، حيث تم عمل دراسة أجريت بالتعاون مع معهد إنترناشيونال باحثا رئيسا، ومدينة الملك عبد العزيز للعلوم والتقنية شريكا سعوديا محليا.
وبين الرميح أن الدراسة كشفت عن وجود عدد من العوائق وأهمها عملية التمويل، ولكن في السعودية بحثت بشكل جيد وتم العمل على تفادي تلك المعوقات، كما بينت الدراسة أن مستوى الإشعاع الظاهر في المملكة يصل إلى 950 كيلوواط في الكيلومتر المربع الواحد في السنة والمناطق المنظمة فيما ينخفض ليصل إلى 600 كيلوواط، ثم قمنا بإضافة معايير القوى الكهربائية في الخطة الحالية والمستقبلية وأظهرنا الإنتاج وأيضا النواحي التي نستخدمها في نواح مختلفة.
وعمدت الدراسة وفق الرميح لفحص مناطق المملكة من أجل تحديد النواحي غير المناسبة للطاقة الشمسية مثل الجبال وبعض الصحاري، إلا أن الدراسة بينت أن كل مناطق المملكة مناسبة للاستثمار في الطاقة الشمسية باستثناء بعض المناطق.
وبين الرميح أنه بتحليل الفائدة التي ستعود للمملكة في 2010 و2015 و2020 في أدنى تقدير لوحظ أن استثمار نسبة 1 في المائة ستكون اقتصادية للمملكة وعندما تزداد النسبة إلى 15 في المائة من النفاد فإن الفائدة للمملكة ستنخفض لأننا سنقوم باستبدال بعض التقنيات ولكن في 2020 سنرى فوائد المملكة تزداد وستكون أفضل من 2015 لأننا سوف نستخدم التكنولوجيا ذات التكلفة المنخفضة.
وزاد "إن الناتج الاقتصادي من الطاقة الشمسية في المملكة سيصل إلى أكثر من 15 إلى 18 جيجاواط.. وهذا سيختلف من مكان إلى آخر في المملكة، إذ سنرى معدلات مختلفة في كل من المنطقتين الغربية والشرقية وبمعدلات اقتصادية جيدة خصوصا في 2015، ولكن في الغربية والوسطى لن تكون ذات جدوى اقتصادية في 2015.
وبين الرميح أن جميع مشاريع الطاقة الشمسية في عام 2020 ستكون اقتصادية للمملكة ولكن الأداء الاقتصادي سينخفض بانخفاض النفاذ، برغم أن هناك أيضا جدلا كبيرا بين الأوساط المختلفة حول فوائد التقنية المنخفضة وأيضا SBC ستكون أكثر فائدة.
الدكتور تيم هوفمان، مستشار الطاقة الأعلى في شركة لاماير العالمية من ألمانيا، فقد أكد من جانبه أن متطلبات السوق للكهرباء الشمسية والطاقة الشمسية والعوائد والمردودات من هذه التقنية في تنامٍ، موضحا أن هذه التقنيات الجديدة تستمر في التطور بتنامي الاحتياجات البشرية.
وقال "لدينا أبحاث في هذا المجال تثبت أن هذه التقنية مجدية وقابلة للنمو وللتطور وأيضا ذات فائدة، وتم إثبات ذلك بالنظر للاحتمالات والفوائد من حيث الاختبارات التي أجريت للسوق والتي يمكن أن تنتج سوقا ناضجة، ولدينا مشاركة حكومية عالية في هذا المجال لإنجاح هذه التجربة.. وسوف نرى المشروع ينهض بنفسه وستكون مشاركة حكومية أقل.. وكل تغيير في هذا المشروع يتطلب تدخلات سياسية من بداية المشروع وحتى دخوله السوق..".
ثم تناول هوفمان مسألة التعرفة والقروض المكلفة التي يتطلبها إنتاج الطاقة الشمسية، مبينا أن عملية ربط التعرفة بعمليات الدفع - في المراحل الأولى خصوصا - في المشروعات الكبيرة يعد أمرا معيقا إلا أنه يظل مشجعا.
وتابع "إلا أن متطلبات السوق على المستوى القومي من حيث الاستثمار في الطاقة الشمسية للمملكة العربية السعودية يمكن أن يولد مزيدا من الدخل".
الخبير الفيزيائي ثيمو جروب مدير ومؤسس مشارك في مؤسسة ديزيرتيك من الولايات المتحدة أكد من ناحيته أن إنتاج الطاقة من الصحاري يجب أن يتم بالتعاون مع الحكومات وبمبادرات سياسية، موضحا أن ذلك يحتاج إلى مبادرات نوعية وتطوير للأبحاث والبرامج التعليمية.
وقال جروب "إن الصحراء الواسعة التي تتمتع بها المملكة يمكن أن توفر طاقة مستدامة تخدم السعودية والعالم.. كما أن ذلك يساهم في إنتاج طاقة نظيفة تقلل من الأضرار التي تطول المناخ والبيئة، وكذلك توفير المياه والغذاء".
ودعا الخبير الفيزيائي إلى تفعيل رؤية خادم الحرمين للاستفادة من الطاقة المتجددة، مؤكدا أن الدعم السياسي يشكل حافزا كبيرا للعمل في هذا الاتجاه، مشددا على أن المملكة تمتلك رصيدا ضخما من الأشعة الشمسية.
وزاد "رصيد شمسي يمكن أن يجعلها في المستقبل "مملكة للطاقة الشمسية"، مثلما هي اليوم "مملكة للطاقة النفطية".. ويمكن أن تقوم بتوريد وتصدير للطاقة الشمسية، ونحن مستعدون للعمل معكم وعقد شراكات عمل لتحقيق ذلك.
في المقابل لم يخرج لورنس كازميرسكي، المدير التنفيذي لشركات العلوم والتكنولوجيا والمختبر الوطني للطاقة المتجددة، من أمريكا عن توقعات الخبراء وترشيحهم للمملكة بأن تكون مركزا عالميا لإنتاج الطاقة الشمسية متى ما أرادت ذلك.
وقال "إن قدرة المملكة على توليد الطاقة الكهربائية من الطاقة الشمسية لا تقل عن دول مثل الصين التي تأتي 50 في المائة من الكهرباء فيها من الطاقة الشمسية".
وبين أن الطاقة الشمسية تتمتع بكفاءة عالية وباتت مجدية من الناحية الاقتصادية، إذ بات اليوم يمكن شراؤها تجاريا وهذا يمثل كفاءة عالية، مشيرا إلى أن هناك نسبة كفاءة تبلغ 43 في المائة.
وأوضح كازميرسكي أن إسهامات المملكة من خلال هذا المركز الجديد يمكن أن تعزز تلك المفاهيم وهي ملامح وخطوات جيدة لعمل مستقبلي.
إلى ذلك أكدت ماريا هوفن الرئيس التنفيذي لوكالة الطاقة الدولية أن النفط لا يزال وقود الطاقة الرئيسي في العالم، وأن العمل على تحسين طريقة الإنتاج والنقل وأسلوب استهلاك النفط يجب أن يظل هدفا استراتيجيا، مبينة أن تحسين فهمنا لكفاءة استخدام الطاقة وتكنولوجيات الطاقة يتم من خلال إجراء التحليلات والدراسات المتنوعة والمستفيضة، وتقاسم تلك المعرفة من خلال تسهيل وزيادة حوار أكثر فاعلية بين جميع أصحاب المصلحة.
وقالت هوفن في كلمتها الرئيسة ضمن مؤتمر حوار الطاقة أمس إن مركز الملك عبد الله للدراسات والبحوث البترولية ووفق محادثاتها مع المسؤولين السعوديين سيعمل على ذلك بجهد أكبر، على الرغم من أن المملكة كانت على الدوام تتمتع بخبرة متميزة في إنتاج وتصدير النفط.
وأضافت "نتطلع إلى الاستفادة من هذا المركز والعمل على إعادة هندسة نظم إنتاج النفط للاستفادة من الوقود الأحفوري لمواصلة النمو وفي الوقت نفسه المحافظة على البيئة".
وبينت الرئيس التنفيذي لوكالة الطاقة الدولية أن صعود لاعبين رئيسيين جدد في الاقتصاد الدولي نقل مركز الثقل في أمن الطاقة والاقتصاد والسياسة ليس فقط إلى الصين والهند بل إلى دول الشرق الأوسط، التي تعد اليوم من أسرع المناطق نموا على مدى السنوات الـ 25 المقبلة من حيث الطلب على الطاقة، وهذا النمو الاقتصادي المزدهر هو بلا شك يمثل أنباء طيبة.
وأضافت "في الوقت نفسه ننظر إلى واردات النفط إلى الولايات المتحدة واليابان تتقلص، فيما تبقى ثابتة في أوروبا، ولكن من المؤكد أنها ترتفع في الاقتصادات الناشئة الرئيسية في آسيا".
وشددت هوفن على الحاجة إلى النظر بصورة جماعية في النتائج المترتبة على هذه التغيرات المهمة، إذ يجب ضمان أنه لا خطر يهدد أمن الطاقة والعمل على تلبية الحاجة إلى توفير مزيد من الطاقة بطريقة مستدامة.
وزادت "نحن نشهد أيضا ظهور مزيد من المؤسسات المسؤولة عن تكنولوجيا الطاقة وسياسة الطاقة.. هذا له آثار مهمة بالنسبة لنا، ونحن عازمون على تبني هذه التغييرات وتوسيع تعاوننا الدولي حتى نتمكن من مواجهة التحديات في الطاقة العالمية معا للمساهمة في إيجاد حلول عالمية".
وقالت إن المفتاح لتحقيق النجاح هو ضمان مشاركة واسعة النطاق، مع تلك المؤسسات التي تملك خبرة محددة يمكن الاستعانة بها، مع التأكيد على أهمية العلاقة الوثيقة والحوار بين المنتجين والمستهلكين، مشيرة إلى أن ذلك سببا لسعادتها بأن ترى التجربة السعودية في إنتاج النفط تكلل بإنتاج مركز الملك عبد الله للدراسات والبحوث البترولية.
وأضافت "ما يثير الاهتمام هو تركيز المركز على مسألة استدامة الطاقة، إذ إن اعتناق فكرة الاستدامة لا تعني تقليل دور الوقود الأحفوري على حساب المنتجين، بل إعادة هندسة نظام الطاقة لتحقيق الاستخدام الأمثل للوقود الأحفوري بطريقة تحافظ على النمو، وتحمي البيئة وتطيل عمر مواردنا".
وقالت هوفن إن الاستدامة هو موضوع واسع وغني، إلا أن كفاءة الطاقة والفرص الكبيرة التي تقدمها ودور تقنيات الطاقة الرئيسية هما الموضوعان الكفيلان بتحقيق الاستدامة والمساهمة في أمن الطاقة. إذ يمكن للتحسينات في كفاءة الاستفادة من النفط والغاز كمصدرين لنمو الطلب المحلي في تحرير مزيد من تلك الموارد للتصدير، مما يسهم في تعزيز الإيرادات، ويزيد من أمن الإمدادات العالمية ويحسِّن من استدامة الموارد الهيدروكربونية.
وتابعت "يمكن لتكنولوجيات الطاقة الجديدة لعب دور مماثل، فتنويع مصادر الطاقة في الدول المستهلكة والدول المنتجة يخفف الضغط عن إمدادات النفط والغاز، وبالتالي تحرير مرة أخرى أكثر من أجل التصدير، خصوصا في عالم يعاني من ارتفاع أسعار النفط والغاز.. وسيكون ذلك مدخلا لتخفيف آثار تغير المناخ ومفاتيح لتعزيز أمن الطاقة بالنسبة للمنتجين والمستهلكين.
وأوضحت الرئيس التنفيذي لوكالة الطاقة الدولية أنه من المشجع أن المملكة وبعض دول الخليج المجاورة تستثمر كثيرا في الأبحاث المحلية، والتنمية، والقدرة على الانتشار، إذ سيكون لذلك أثر كبير على إنتاج الطاقة الإقليمي، وبالتالي على الطلب على النفط والتصدير.
وزادت "في أماكن مثل المملكة هناك ميزة مزدوجة في نشر التقنيات لتسخير الطاقة الشمسية، وكذلك في تحسين كفاءة استخدام الطاقة الكامنة، ولا يمكن تحقيق ذلك في السعودية إلا من خلال استغلال مصادر الطاقة المتجددة وتوفير مزيد من الموارد المحدودة للطاقة التقليدية".
وقالت إن هذا يتطلب استثمارات ضخمة على الصعيدين المحلي والعالمي، وبتكلفة أكبر من الأعمال المعتادة بنحو 15 - 20 في المئة على مدى الـ 40 سنة المقبلة أو نحو ذلك، إلا أن مزايا تكنولوجيا الطاقة النظيفة تجعل تلك الاستثمارات تستحق ذلك.