موازنة مصر الجديدة تواجه تحدي خدمة الدين
تثير الموازنة المصرية الجديدة للعام المالي 2016/2017 والتي يناقشها البرلمان حالياً ويبدأ العمل بها مطلع الشهر المقبل، جدلاً واسعاً في أوساط السياسيين والاقتصاديين على السواء، خصوصاً ما يتعلق بالدعم الموجه للطبقات الفقيرة ومحدودي الدخل، واستمرار النهج الحكومي في التوسع في الاقتراض لمواجهة عجز الموازنة الذي يتوقع أن يصل إلى 319,5 مليار جنيه.
وبحسب مشروع الموازنة التي تعتبر الثالثة منذ تولي الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي مقاليد الحكم في البلاد، فإن إجمالي المصروفات الحكومية المتوقعة للعام المالي الجديد يقدر بنحو 936,1 مليار جنيه بزيادة 107,2 مليار جنيه عن مصروفات العام المالي الحالي والبالغة 828,8 مليار جنيه، مقابل إيرادات متوقعة بقيمة 631,1 مليار جنيه بزيادة 106 مليارات جنيه عن إيرادات العام المالي الحالي.
وبذلك يبلغ إجمالي العجز النقدي في الموازنة الجديدة نحو 305,7 مليار جنيه، والعجز الكلي 319,5 مليار جنيه، يشكل نحو 9,8% من إجمالي الناتج المحلي الإجمالي البالغ 3,2 تريليون جنيه.
علاج العجز
وتقول الحكومة إنها ستعالج عجز الموازنة من خلال المزيد من الاقتراض الداخلي من البنوك المحلية، عبر إصدار المزيد من أذونات الخزانة وإصدارات السندات، الأمر الذي يتحفظ عليها اقتصاديون من منطلق أن هذا الأسلوب التي تتبعه الحكومة على غرار حكومات سابقة قفز بالدين العام ( الداخلي والخارجي) إلى مستويات غير آمنة كسر معها حاجز 3 تريليونات جنيه بما يعادل 97% من إجمالي الناتج المحلي الإجمالي للبلاد.
وتعتزم الحكومة أن تصدر خلال العام المالي الجديد أذونات خزانة وسندات جديدة بقيمة 575,9 مليار جنيه بارتفاع نحو 60 مليار جنيه عن الإصدارات التي أصدرتها في العام المالي الحالي، وذلك لتمويل عجز الموازنة من جانب وسداد التزاماتها تجاه الدائنين المحليين والخارجيين.
ووفقا لبنود الموازنة، فإن خدمة الدين العام وأقساط الديون المستحقة تستحوذان على أكثر من ثلث حجم الموازنة الجديدة، إذ تقدر خدمة الدين بنحو 292,5 مليار جنيه، بما يعادل 24,5 مليار جنيه شهرياً يتوجب على الحكومة المصرية سدادها، كما تقدر قيمة أقساط الديون الحكومية بنحو 256 مليار جنيه، وهو ما يعني أن فوائد الدين وأقساط الديون المستحقة تقدر معا بنحو 548,5 مليار جنيه، بما يعادل 58,6% من إجمالي المصروفات الحكومية.
ولهذا السبب سلط وزير المالية المصري عمرو الجارحي في تقديمه لمشروع الموازنة على خطورة ارتفاع فوائد الدين وأقساط الديون الحكومية بقوله:«يتعين اتخاذ إجراءات إصلاحية وهيكلية وجادة لإحداث الانضباط المالي للسيطرة على كل من عجز الموازنة ومستوى الدين العام الذي تأكل أعباءه موارد الدولة».
وقال الخبير الاقتصادي الدكتور عبد النبي عبد المطلب وكيل وزارة التجارة والصناعة للبحوث الاقتصادية لـ«الاتحاد»، إن الحكومة الحالية كسابقتها من الحكومات تلجأ إلى علاج عجز الموازنة من خلال مزيد الاقتراض سواء الداخلي أو الخارجي، الأمر الذي يمثل عبئاً على الأجيال القادمة، خصوصاً وأن الدين المحلي تخطى حاجز تريليوني جنيه، كما أن الدين العام المحلي والخارجي معا يشكلان 97% من الناتج المحلي الإجمالي للبلاد، ويعد ذلك مستوى غير آمن على الإطلاق.
وأضاف أن الحكومة مطالبة بالبحث عن وسائل تمويل أفضل لعلاج عجز الموازنة وسداد أقساط ديونها وفوائد الدين، بدلاً من الطرق التقليدية المعروفة والمتمثلة في مزيد من الاقتراض، داعياً الحكومة إلى اتباع الشفافية والمصارحة مع الشعب، بهدف تشجيعه على المشاركة في دفع عجلة التنمية، كما حدث في شهادات قناة السويس التي شارك فيها المصريون بأكثر من 60 مليار جنيه.
وقالت الدكتورة سحر نصر في حوار سابق مع «الاتحاد» إن الحكومة تلجأ إلى الحصول على قروض ومنح من صناديق تنموية عربية ومؤسسات تمويل دولية وإقليمية في مقدمتها صناديق أبوظبي والسعودية والكويت، والبنك الإسلامي للتنمية، والبنك الدولي، والبنك الإفريقي للتنمية، بهدف دعم المشاريع التنموية الواردة في خطة الحكومة، وعلاج عجز الموازنة.
وأضافت:«الحكومة لا ترغب في أن تزيد من الأعباء الملقاة على محدودي الدخل من خلال زيادة الضرائب ورسوم الخدمات، ولهذا السبب ترى في الاقتراض والحصول على المنح وسيلة أفضل».
زيادة الإيرادات
وتعتزم الحكومة زيادة إيراداتها في الموازنة الجديدة من خلال التوسع في الضرائب عن طريق تطبيق ضريبة القيمة المضافة والتي ستحل محل الضريبة على المبيعات، إذ تتوقع الحكومة أن ترتفع الإيرادات الضريبية إلى 433,3 مليار جنيه بزيادة قدرها 70,8 مليار جنيه عن إيرادات الضرائب في العام المالي الحالي. وتساهم حصيلة الضرائب المباشرة بنحو 68,5% من إجمالي الإيرادات الحكومية، في حين تساهم المنح وقدرها 2,2 مليار جنيه، وإيرادات غير ضريبية بقيمة 195,5 مليار جنيه بالنسبة المتبقية من إجمالي إيرادات الدولة.
ويثير توجه الحكومة في موازنتها الجديدة نحو تقليص الدعم الموجه للطاقة والمواد البترولية حفيظة سياسيين ونواب برلمانيين من بينهم تحالف التيار الديمقراطي الذي يضم أحزاب الدستور والتيار الشعبي والكرامة والتحالف الشعبي والعدل ومصر الحرية، إذ يرى هؤلاء أن خفض الدعم من شأنه أن يضر بمحدودي الدخل والطبقات الفقيرة في المجتمع التي تعاني في الأساس من ارتفاع الأسعار، في حين ترد الحكومة على ذلك بأن تقليص الدعم السلعي يستهدف وصول الدعم إلى مستحقيه الحقيقيين.
الدعم السلعي
ووفقاً لمشروع الموازنة، تعتزم الحكومة خفض المبالغ المخصصة في الموازنة الجديدة للدعم السلعي، وإن كان ذلك يقتصر بشكل أساسي على دعم المواد البترولية الذي سيتراجع بنحو 26.5 مليار جنيه ليصل إلى 35 مليار جنيه من 61,7 مليار جنيه في العام المالي الحالي، وكذلك دعم الكهرباء الذي سيتراجع بنحو ملياري جنيه ليصل إلى 28,9 مليار جنيه من 31 مليار جنيه.
وفي المقابل، رفعت الحكومة دعم السلع التموينية في الموازنة الجديدة ليصل إلى 41 مليار جنيه من 37,7 مليار جنيه بزيادة 3,3 مليار جنيه، كما رفعت دعم المزارعين إلى 5,1 مليار جنيه من 3,7 مليار جنيه. وتقول الحكومة إن إجمالي الإنفاق على برامج البعد الاجتماعي والحماية الاجتماعية المباشرة سيرتفع في الموازنة الجديدة إلى 421 مليار جنيه بما يعادل 45% من إجمالي المصروفات العامة، حيث تستهدف الحكومة التوسع في منظومة دعم السلع الغذائية.
وعلى الرغم من أن نحو 76 مليون مصري يستفيدون من السلع التموينية المدعومة عبر بطاقات التموين، إلا أن غالبية المصريين يشكون من ارتفاع أسعار السلع التي ساهمت بدورها في ارتفاع معدل التضخم في البلاد إلى 12%، مما دفع الحكومة مؤخراً إلى رفع حصة الفرد من الدعم النقدي في بطاقة التموين من 15 جنيها إلى 18 جنيها إلى جانب طرح المزيد من السلع الرئيسة بأسعار مخفضة في المجمعات الاستهلاكية، ومن خلال السيارات التي تسيرها القوات المسلحة محملة بالسلع المدعمة.
وتقول الخبيرة المصرفية والنائبة في مجلس النواب بسنت فهمي، إن هناك حالة ضعف في الرقابة على الأسواق من قبل السلطات المعنية، حيث تتحكم مجموعات من التجار في أسعار العديد من السلع الرئيسة، حيث لا تستطيع السلع المدعمة التي تطرحها وزارة التموين أو القوات المسلحة أن تحل أزمة ارتفاع الأسعار.
وأضافت فهمي:«هناك حاجة قوية لتشديد الرقابة على أسواق السلع، في ظل الاستيراد العشوائي الذي شهدته الأسواق لكافة أنواع السلع من دون مبرر، وهو ما أحدث أزمة في العملة الأجنبية داخل البلاد».
مخاوف من تأثير النفط والدولار
القاهرة (الاتحاد)
تخشى وزارة المالية المصرية من أن يؤدي التحسن الذي طرأ مؤخراً على أسعار النفط متجاوزة 50 دولاراً للبرميل، وكذلك خفض قيمة العملة المحلية أمام الدولار إلى تفاقم العجز الكلي للموازنة الجديدة والمقدر بنحو 319,5 مليار جنيه.
وقالت الوزارة في مشروع الموازنة للعام المالي 2016/ 2017، إن ارتفاع متوسط خام برنت بواقع دولار واحد فقط يؤدي إلى ارتفاع قيمة دعم المواد البترولية في الموازنة الجديدة بنحو 1,9 مليار جنيه، وهو ما يعني أن صافي الأثر على الموازنة العامة للدولة هو ارتفاع العجز بنحو 1,5 مليار جنيه.
واحتسبت الموازنة المصرية الجديدة على أساس سعر برميل النفط بنحو 40 دولارا، حيث استفادت الموازنة المصرية من تراجع أسعار النفط، حيث تستورد مصر أكثر من 30% من احتياجاتها البترولية من الخارج.
وخفضت الحكومة الدعم الموجه للمواد البترولية بنحو 26.5 مليار جنيه ليصل إلى 35 مليار جنيه مقارنة مع 61,7 مليار جنيه في العام المالي الحالي، كما تعتزم خفض الدعم الموجه للكهرباء بنحو ملياري جنيه ليصل إلى 28,9 مليار جنيه من 31 مليار جنيه.
وأفادت الوزارة بأن انخفاض متوسط سعر صرف العملة المصرية أمام الدولار بنحو 10 قروش من شأنه أن يؤدي إلى ارتفاع قيمة دعم المواد البترولية بنحو 800 مليون دولار، مما يعني أن صافي الأثر على الموازنة الجديدة سيكون في شكل ارتفاع العجز بنحو 1,1 مليار جنيه.
وخفض البنك المركزي المصري قبل نهاية العام الماضي قيمة العملة المصرية أمام الدولار بنسب كبيرة، تجاوز معها سعر الدولار لأول مرة حاجز 9 جنيهات قبل أن يعود المركزي المصري بعدها لرفع قيمة الجنيه المصري، ليتداول حاليا أمام الدولار بسعر 8,88 جنيه.
اقرأ أيضاً:
مصر ستخفض دعم المحروقات في موازنة 2016-2017 إلى 35 مليار جنيه