لماذا يقطع التنبؤ والإدارة شوطاً طويلاً في كيفية تجنب الأزمات؟
تبالغ الشركات في الرد على الانكماش الاقتصادي، ولكن لو كانت مستعدة بشكل أفضل في الأصل، لما وجدت نفسها في مثل هذه الضرورة للتعديل، وذلك، وفقاً لما جاء عن لود فان دير هايدن، الأستاذ المتخصص في التكنولوجيا وإدارة العمليات.
«أعتقد أن ردود الفعل غير المحسوبة هي في الغالب نتيحة الحقيقة أنك بطريقةٍ ما أو بأخرى لا تتابع الأمور، وأنك لم تكن تتنبأ بأي شيء. فلو كنت تنبأت بالأمور قبل حدوثها، لما كنت بحاجة إلى الرد على ذلك النحو».
وبالإشارة إلى بحث في مجال العلوم الاجتماعية، كما يضيف فان دير هايدن، فإن تسلسل الخطوات الصغيرة أسهل من تولّي خطوة واحدة كبيرة. وهنالك مثال جيد في الحكم على ذلك، كما يقول، هو مشروع الاتحاد الأوروبي، الذي يتألف من العديد من الخطوات الصغيرة المؤدية إلى خطوة كبيرة في النهاية. ويضيف أن ما يدعى بأزمات تصبح ثانوية نسبياً مع مرور الوقت، ومع التدبر الناجح لكل حدث «أزمة»، تتنامى الثقة بأن أي أزمة سيكون بالإمكان تدبرها.
إن نقص البصيرة التي أدت إلى الأزمة الحالية، كما يقول فان دير هايدن، يعود إلى الإدارة الرديئة أولاً، التي تُركت دون تفقد من قبل حوكمة الشركات الرديئة، وفي النهاية تضخمت بفعل الحوكمة التشريعية. «علم بعض الناس ما الذي كان يحدث، ولكن كانت غريزة القطيع قوية للغاية، وكان المال مغرياً إلى حدٍ كبير، حيث تسبب في فقدان الناس حسهم السليم».
ويضيف: «أعتقد أننا جوهرياً وقعنا فيما ادعوه بحفرة فشل إدارة الحوكمة. فإذا نظرت إلى الولايات المتحدة الأمريكية، فقد حظيت للتو بأكبر إصلاح لحوكمة الشركات الذي كان الهدف منه إنهاء الأزمة مثل الأزمة التي نعيشها في يومنا الحالي. وقد جاء قانون ساربانيس أوكسلي – Sarbanes Oxley، الخاص بهيئة الأوراق المالية والبورصات كرد فعل على انهيار شركة إنرون. ونحن نعلم أن فرصة كبيرة لوضع الحوكمة في مكان أكثر أهمية قد ضاعت، وأن الحوكمة هي طريقة لتحفيز المديرين، وكذلك لتنظيمهم».
«وأعتقد أن نموذج الحوكمة الأمريكية أفشلنا»، فقد كان مالياً للغاية، وإيديولوجياً للغاية، مع النتيجة المفاجئة بأن المساهمين فعلياً هم من حفّز المديرين ليكونوا ذوي بصيرة قصيرة الأمد، بينما يمكن أن يكونوا دونهم خلاف ذلك. وقد كان ذلك بمثابة عامل أساسي في الأزمة».
بينما العديد من الشركات يتأذى، فإن فان دير هايدن يعتقد أن النشاطات العملية العائلية، خصوصاً، كانت محمية بصورة نسبية من الأزمة المالية (ولكن هذا لا يعني أن كافة الشركات العائلية تمكنت من مواجهة الأزمة). ويقول إنها لم تبالغ في الرد، وبالفعل، تمكن العديد منها من تدبر الحفاظ على مسارها، بينما تمتص الخسائر.
«إن النشاطات العملية العائلية عموماً تتسم بقدرتها الأكبر على التنبؤ بأكثر من الشركات المدرجة عموماً. فهي تتسم بأفق طويل الأمد، وترد بطريقة أقل اندفاعية، وهي أكثر تركيزاً.... وقد تبيّن أن النشاطات العملية العائلية تهدر قدراً أقل من الأموال على عمليات الشراء غير المتعلقة بها لأن العائلات تعتبر حذرة، ولا تستثمر في النشاطات العملية التي لا تفهمها».
اختفى العديد من قيم النشاطات بسبب إغراء المال، والثروة، كما يقول فان دير هايدن، ولكنه يعتقد أن هنالك طريقة لاستعادة التوازن: وهي تبدأ بإدراك أهمية نزاهة النشاط العملي. «إن ضرورة أن يكون النشاط العملي نزيهاً، وأن يُدار بإنصاف هي الفكرة المركزية لذلك الاقتراح. والسبب هو لأن النزاهة شرط ضروري للأداء المستدام».
«هنالك العديد من الانتهاكات في هذه الأزمة المالية بسبب نقص النزاهة، من حيث الأهداف، والغايات، وكذلك في العمليات. وقد شاهدنا النتائج، وأعتقد أن الأزمة، من هذا المنطق، ستكون ثورة، وستستعيد فكرة مسؤولية الإدارة تجاه المجتمع، حيث لا يمكنك أن تثري نفسك على حساب المجتمع. لذا، عليك أن تولد قيمة، ولابد من معاقبة الإدارة المبذرة. وبالتأكيد فإن المسؤولية الاجتماعية سوف تنجو من الأزمة...».
رغم ذلك، هنالك دروس أخرى يمكن الاستفادة منها من الأزمة، وأحد هذه الدروس هو تطبيق هيكلة شركات استثمارية. «إن جنرال إلكتريك ستخرج من هذه الأزمة بحالٍ أفضل بكثير من غيرها، لأنها لا تضع كافة بيضها في السلة نفسها. وكذلك هي الفكرة عن المحفظة، وهي الهيكلة الاستثمارية الأشهر التي يقال إنها غير فعالة، من وجهة نظري، هي طريقة لتخفيف خطورة اندفاع النشاط العملي».
وهنالك درس مستفاد آخر، وهو أهمية حوكمة الشركات. «أعتقد أن الشفافية سوف تزداد ... وعلينا ألا ننسى أن قطاع المصرفية بأكمله بُني بصورة غير متصلة بالميزانية العمومية. وذلك، كما أعتقد، لن يكون هو الوضع لفترة طويلة. ولكن ما السبب الرئيسي لذلك؟ لأن الفكرة بأكملها كانت للحفاظ عليها سريةً من التدقيق، ومنفصلة عن المشرعين».
ورغم ذلك، يعتقد فان دير هايدن أنه لا بد من أن نخرج من الأزمة بحالٍ أفضل مما كنا عليه من قبل. «ربما أتميز بأنني شخص متفائل وإيجابي، ولكنني أرى أجزاءً جيدةً في هذه الأزمة. وكان هنالك الكثير من الهراء في النشاط العملي، وربما كان هنالك (وربما عليّ أن أتخلص من ربما) الكثير من الهراء في نظامنا التعليمي، وكذلك في الدفاع عن المديرين الذين يريدون أن يعيشوا من أجل المساهمين. إذن، فنحن نموت على كل حال فعلياً الآن...»
«نحن كمعلمين، علينا أن ننظر إلى الداخل، ونقول ما تحليلنا، وما تشخيصنا، وما الذي كان بالمقدور القيام به على نحوٍ مختلف؟ وما الذي نحتاج إليه في المستقبل للتقليل من احتمالية هذا الحدث؟ وهل نتعلم الدروس الصحيحة؟ لأن الأمر عبارة عن فوضى دموية يمكننا أن نعيشها دون التسبب فيها، بصورة أساسية، لأن الناس الذين يعانون إلى أكبر حد ليسوا بمسؤولين عن تلك المعاناة».